خطبة بعنوان: ” وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
خطبة بعنوان: ” وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح.
لتحميل الخطبة بصيغة أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله، فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل الله فلا هادي له..
وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين .
وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا وأستاذنا ومعلمنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم القائل : “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى”(البخاري). وسئل رسول الله”عن أطيب الكسب؟ فقال: “عمل الرجل بيده, وكل بيع مبرور”(أحمد والبزار).
أما بعد فيا جماعة الإسلام :
” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا “(البقرة: 275) .
أحل الله البيع لأنه يعتمد علي الجد والاجتهاد والسعي وطلب الحلال ..
فالبيع الناجح ليس عملية سهلة، بل هو في الحقيقة مجموعة مركبة من الأنظمة التي يتعلمّها كل الذين يرغبون في الإنجاز المهني الرفيع في مجال إدارة الأعمال.
وحرم الله الربا لأنه يعتمد علي الكسل والبطالة واللكاعة والكسب الحرام والبيع الحرام ..
قال البخاري في باب :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً “(آل عمران: 130]. وذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من حرام” [البخاري ] . قال الحافظ: “لعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر: “يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره”[ النسائي ].
وروى مالك عن زيد بن أسلم في تفسير الآية قال: “كان الربا في الجاهلية أن يكون الرجل على الرجل حق إلى أجل، فإذا حلَّ قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ، وإلا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل …، ويطلق الربا على كل بيع محرم”[فتح الباري ]. لذلك كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان ينزل السوق ويقول لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في دينه وإلا أكل الربا شاء أو أبى.
وقال ابن التين: “أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تحذيراً من فتنة المال، وهو من بعض دلائل نبوته؛ لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو، والله أعلم”[فتح الباري ] .
أخوة الإيمان والإسلام :
ومن هنا وضع الإسلام للبيع شروطاً وأداباً لابد للتاجر أن يتحلي بها حتى يكون كسبه حلال ومطعمه حلال وغذي بالحلال.. فحري أن يستجاب له .
روى البخاري و ابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى” . فالسماحة في البيع والشراء هدي نبوي تربوي فيه خير كثير، تربى عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتفى أثرهم، فلعبت التجارة دوراً عظيماً في انتشار الإسلام، وسلامة المجتمع الإسلامي من أمراض النفس الداخلية.
وهذا النوع من التربية مفقود في واقعنا المعاصر، حيث صار أمراً اعتيادياً أن يتطور شراء سلعة بسيطة إلى خلاف، يقدر ثمن معالجته أضعاف ثمن السلعة نفسها، والسبب غياب السماحة بين البائع والمشتري.
وبالتالي فإننا بحاجة إلى الاقتداء بهذا الهدي أولاً، ثم تربية الأبناء على هذا الهدي النبوي عملياً بممارسته أمامهم سواء كنا بائعين أو مشترين.
أخوة الإيمان والإسلام :
** ومن آداب البيع والشراء:
ينبغي للبائع أن يتحلى ببعض الآداب والصفات التي أمرنا بها ديننا الحنيف نجملها فيما يلي :
* السماحة في البيع والشراء:
وذلك بأن يتساهل البائع في الثمن والمشتري في المبيع، والتساهل في المعسر بالثمن فيؤجل إلى وقت يساره، ومما جاء في الحديث: “رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى، وإذا قضى وإذا اقتضى” – أي طالب بدينه. (البخاري).
والسماحة مسامحة في البيع والشراء، لين الجانب، خفض الجناح، المسامحة في الشيء الحقير التافه، البائع يرفض البيع لأجل خمسة قروش أو عشرة، وهذا بلاء عظيم، ونتن وعفن قلبي، وكذلك يتحرج المشتري أن يقدم على شراء حاجته من عنده لأن ماله غير مكتمل؛ لأنه لم يتأكد من أخلاق البائع، ويعلم أن البائع سيوقعه في الحرج والعنت والمشقة.
البائع يعرض سلعته بأغلى الأثمان، يريد بذلك عند المساومة إنزال بعض هذا السعر، لكنه يتعنت أشد التعنت في أول الأمر، فإذا غلب على ظنه أن المشتري سوف يفلت منه نزل بالسعر نزولاً يوحي بأنه كاذب وغاش وليس صادقاً في بيعه وشرائه، وهذا يتنافى مع السماحة التي دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها.
فالسماحة في البيع والشراء نوع من العلاقة الربانية بين البائع والمشترى لا تقف عند حدود تحقيق المنفعة المادية المتبادلة، ففيها دندنة على الوتر الروحي في العلاقة بين طرفين، هذه العلاقة التي يمكنها أن تثمر مجموعة من النتائج الطيبة والتي منها:
* إتمام الصفقة التجارية بهدوء نفس وطمأنينة بعيداً عن الانفعال والغضب، مما ينعكس على سلامة البدن والنفس وضمان عدم حدوث خلاف لفظي، أو تطور الأمر لاحتكاكات بدنية.
*مباركة البائع والمشتري للصفقة فتحظى السلعة ويحظى المال بالرضا والسلامة من الحسد والسخط، كما تحظى الصفقة بالدعاء المتبادل والجالب للبركة بإذن الله.
* السماحة والهدوء في البيع والشراء يعد مدخلاً نفسياً ودعوياً جيداً لتذكير الطرف الآخر بالله وشكره على نعمه، والامتثال لأوامره ونواهيه.
*الامتثال لهذا الهدي النبوي يضمن المجتمع معه سلامة السلعة من قبل البائع سعراً وجودة، وكذلك سلامة المال من قبل المشتري بعدم البخس أو الحسد.
* أحياناً ومع السلع الصغيرة كالخضروات مثلاً يكون مجمل قيمة بضاعة البائع بمثابة دخل يوم واحد للمشتري أو أقل، وبالتالي فإن السماحة والسخاء من قبل المشتري يحدث نوعاً من التكافل وإدخال السرور على البائع وأهله، وهذا جزاؤه عند الله كبير.
** أخوة الإيمان ومن آداب البيع والشراء
الصدق في المعاملة: قد دعا الإسلام إلى التجارة وقال :”تسعة أعشار الرزق في التجارة ” ولكن العمل في التجارة مثلاً بالكذب والغش والطمع والأنانية فنجد الرسول يقول :” التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء “( الترمذي والحاكم). بأن لا يكذب في إخباره عن نوع البضاعة ونفاستها ونحوه ..
ويقول :” إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا”( الترمذي).
أما حين يفجر التاجر نجد أن الرسول يقف له بالمرصاد فيقول :”إن التجار هم الفجار قيل ولما يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون”(صحيح الجامع ).
** أخوة الإيمان ومن آداب البيع والشراء
عدم الحلف ولو كان صادقًاً:
فمن آداب البيع والشراء ودلائل الصدق فيه عدم الإكثار من الحلف؛ بل عدم الحلف مطلقًا؛ لأن في ذلك امتهانًا لاسم الله -تعالى-، قال تعالى-:”وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ “[البقرة: 224]. ويحذر الرسول التجار من كثرة الحلف :”خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب “ويقول :”ويل للتاجر من بلي والله ولا والله” (الطبراني).
أن لا يروّج للسلعة بالكذب وبما ليس فيها وبالقسم بالله باطلا وبالتضليل والغش والغدر كأن يدعي كذباً أنه اشتراها بثمن معين أو دفع له ثمن معين·
عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه- أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله لقد أعطى فيها ما لم يعطَ ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزل قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.( آل عمران/77).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان” (البخاري)·
وقال – صلى الله عليه وسلم -: “والحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة” (متفق عليه). نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الحلف, نعم ستنفق السلعة، لكن لا بد أن تعلم علمَ يقين أن المال الذي أخذته بهذا الحلف صادقاً يدل على قلة تعظيم الله عز وجل وأسمائه وصفاته في قلبك، واستهانة منك بأن جعلت يمين الله تعالى عرضة له في البيع والشراء، وإن كنت حلفت كاذباً فقد اقتطعت به حق امرئ مسلم بغير حق، وهذا هو اليمين الغموس، وسمي غموساً؛ لأن الله تعالى يغمس صاحبه في نار جهنم!
لأجل أن تباع سلعة -لعل الله تعالى لا يقدر لها البيع قط- يخرج الإنسان من هذا الموقف بغضب الله وسخطه، الأمر لا يستحق كل هذا، فلا بد لكل مشتر وبائع من وقفة في البيع والشراء.
عاقب الله تعالى الحالف بعقوبة عظيمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” ثلاثة لا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب” (مسلم وأبو داود والترمذي).
** أخوة الإيمان والإسلام : ومن آداب البيع والشراء
الإكثار من الصدقات:
عسى أن يكون ذلك تكفيرًا لما قد يقع فيه من غش أو غبن أو سوء خلق أو ما إلى ذلك، فلقد روى قيس بن أبي غرزة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن نسمى السماسرة، فقال: “يا معشر التجار ، إن الشيطان والإثم يحضران البيع ، فشوبوا بيعكم بالصدقة”( الترمذي), يعني أخلطوا.
** أخوة الإيمان والإسلام : ومن آداب البيع والشراء
الكتابة والإشهاد: فإنه يستحب ذلك لقوله -تعالى-:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ” [البقرة: 282]، وقوله: ” وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ” [البقرة: 282]، ففي ذلك مزيد ضمان للحق وتمتين للثقة والتعاون بين المسلمين، قال -تعالى-: ” وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ” [البقرة: 282].
** أخوة الإيمان ومن آداب البيع والشراء
النهي عن الخداع والتدليس:
والخداع المحرَّم في البيع أن يُخفِي البائع شيئًا في السلعة لو أطلع عليه المشتري لم يشترها بذلك الثمن، و حينما يسعى لكسب المال يحرص على جمع المال، لكنَّ الطمع أعماه عن حقيقة؛ وهي: أنَّ المسألة ليست مسألة كَثرة ربح، بل المسألة مسألة بركة، فقد يَربَح الطماع الجشع المال الكثير لكن يتعرَّض لآفةٍ تَجتاح هذا المال، وقد يَربَح التاجر الصادق المال القليل، فيُبارِك الله في كسبه؛ فعن حكيم بن حزام – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم -: “البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقَا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتَمَا وكذَبَا، مُحِقت بركة بيعهما”( البخاري ومسلم ).
فالناس ينظرون إلى الأموال بكثرتها، والشرع ينظر إلى الأموال ببركتها، فكم من إنسان ليس له مال، لكن الله تبارك وتعالى يبارك في القليل بين يديه لتقواه، وصدقه، وحرصه على مرضاة ربه، وكم من الناس معهم الأموال الطائلة أنفقوها في الملذات والشهوات والخمور والنساء والمخدرات.. وغير ذلك؛ لأن الله تعالى نزع البركة منها؛ ولذلك روى مسلم والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:”أن رجلاً كان يخدع في البيع والشراء، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله إني أخدع إذا بايعت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا بايعت أحداً فقل: لا خلابة” والخلابة بمعنى الخداع أو التدليس والتمويه.
** أخوة الإيمان ومن آداب البيع والشراء
النهي عن الغش
الغشُّ آفةٌ يَطُول ضررُها الجميع، فالغشَّاش شخص همُّه تحصيل المال على حِساب غيره، فالطمع حَجَبَ عقله، فلا ينظر إلا للمَكاسِب التي حصَل عليها والتي يسعى للحصول عليها، ولا يَلتَفِت إلى ضحاياه الذين أرداهم غشُّه لا يلتَفِت إلى جنايته على المجتمع، وكيف أصبح أداةَ إفسادٍ فيه، الغشَّاشون كُثُر ومجالات الغشِّ مختلفة، كلُّ غشَّاش على حَسْبِ اهتِماماته، وعلى حسب موقعه وقدرته على الغش، والكلام في هذه الدقائق حول الغشِّ في البيع والشراء.
ويشتدُّ الإثم حينما يُنَفِّق الغشَّاش سلعته بالحلف الكاذب، بأنه اشتَراها بكذا، أو بأنَّ فلانًا سامَها بكذا… أو غير ذلك من أساليب الغشاشين؛ فعن أبي هريرة – رضِي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم – يقول: “الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَة للبركة”( البخاري ومسلم ).
على مَن باع أنواعًا مُتعدِّدة من الحبوب والثِّمار وغيرها، فيها الطيِّب والرديء – أن يعزلَ الطيِّب عن الرَّدِيء، فيكون المشتَرِي على بيِّنة من أمر السلعة، أمَّا إن جعَل الطيِّبَ في الأعلى والرَّدِيء أخفاه تحتَه، إمَّا لآفةٍ فيه أو لصِغَره أو غير ذلك من الأشياء التي تُزهد الناس فيه، وتقلِّل من قيمته، فجعل الرَّدِيء في الأسفل من الغشِّ المحرَّم؛ فعن أبي هريرة: أن رسول الله – صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم – مرَّ على صبرة طعام، فأدخَل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غشَّ فليس مِنِّي”( مسلم )، فخابَ وخسر في الدنيا والآخرة مَن تبرَّأ منه النبيُّ، ولا يُعذَر الشخص بِحُجَّة أنَّ العمَّال قاموا بهذا، فالواجب عليه المُتابَعة، فلو فعَلُوا فعلاً يضرُّ بسلعته، ويُنقِص من قيمتها، لم يرضَ بذلك وعمل على عدم تَكرار ذلك، فكذلك الواجب عليه إذا أضرُّوا بإخوانه المسلمين.
الواجب على مَن باع سلعةً فيها عيبٌ أن يُبيِّن هذا العيب للمشتري ولا يكتمه؛ فعن عُقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول: “المسلم أخو المسلم؛ لا يحلُّ لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له”( ابن ماجه )،فإذا بيَّن العيب برأ البائع في الدنيا والآخرة، وليس للمشتري الحقُّ في ردِّ السلعة إلا إذا رضي البائع، فأقالَه بيعته، أمَّا إذا لم يُبيِّن البائع عيبَ السلعة، فللمشتري الردُّ.
* ومن الغشِّ المحرَّم حينما يأتِي شخصٌ بسلعةٍ من عقار أو غيره لا يعرف قيمتها، فيقول للسِّمسار: بعها بكذا، والسِّمسار يَعرِف أنَّ قيمتَها أكثر من ذلك، فيُحابِي السِّمسار أحدًا بالبيع، فيبيعها عليه برخصٍ أو يشتَرِيها لنفسه، أو يبيعها بأكثر من الثمن الذي حدَّده صاحبها، ويأخُذ ما زاد بحُجَّة أن صاحب السلعة حدَّد الثمن، وهذا كلُّه من الغش المحرَّم؛ فالسِّمسار وكيل لصاحب السلعة، فيجب عليه أن يبيَّن له قيمتها، وأن يبيعها بقيمتها الحقيقية، وليس بما حدَّدَه صاحبها، وهذا من النصح المفترض عليه؛ فعن تميم الداري أنَّ النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم -قال: “الدين النصيحة”قلنا:” لِمَن”قال:”لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”( مسلم). وما زاد يعطى مالك السلعة؛ فعن عروة البارقي أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءَه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه؛ (البخاري)، فلا يحلُّ شيءٌ من الزائد للسِّمسار إلا لو قال له صاحب السلعة: بعها بكذا، وما زاد، فهو لك فجائز، فهذا من باب الجعالة المباحة.
وكذلك من الغش المحرَّم لو وكَّله بالشراء فشرى من نفسه أو قريبه أو صديقه وحابَى ولم ينصح لموكِّله.
ومن الغش ما يفعله البعض حينما يريد أن يبيعَ سلعةً يجعلها تبدو للمشتري أفضل من الواقع، فينخدع المشتري، فيشتريها بأكثر من قيمتها، ثم بعد أن يحوزها يكتشف أنَّ البائع دلَّس عليه، ففي هذه الحال للمشتري خِيار الردِّ؛ لقول النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم :”لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم، فمَن ابتَاعَها بعدُ فإنَّه بخير النَّظَرِين بعد أن يحْتَلِبَها إن شاء أمسَك، وإن شاء ردَّها وصاعَ تمرٍ”( البخاري ومسلم). فحكَم النبي لِمَن اشتَرَى بهيمة، وقد أوهمه البائع أنَّ حليبها كثيرٌ حكم له بخيار الردِّ، وأنَّ هذا البيع لا يلزمه إلا برضاه.
و ووقف النبي عليه الصلاة والسلام من الغش موقفاً صريحاً فنهي عن بيع العينة.
وبيع العينة: هو أن تذهب إلى رجل وتقول له: أقرضني مائة جنيه، فيقول لك: ليس عندي مالاً لأقرضك، ولكن خذ هذا الحب بمائة جنيه بالتقسيط في كل شهر تدفع عشرة، فتأخذ هذه السلعة، ثم يقول لك البائع نفسه: ادفع لي هذه السلعة أو بعني إياها بثمانين حالاً؟ فتقول: نعم، خذ السلعة وأعطني ثمانين جنيهاً، فتكون قد اشتريت بالثمن العالي مؤجلاً ودفعت عين السلعة لعين البائع بثمن أقل حاضراً، هذا البيع حرام وهو حيلة للربا، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد حرم هذا البيع.
وسميت عينة؛ لأن عين السلعة يشتريها عين البائع، بثمن أقل حاضراً، وقد باعها لنفس المشتري بثمن أكثر مؤجلاً، يعني بالتقسيط.
* عن ابن عمر”أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل اللّه أنزل اللّه بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم”.( أحمد وأبو داود) . ولفظه “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم” (صحيح).
قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى.
** وقد انتشرت صورة ربوية تعرف بالرجل المحفظة…يعنى يشتري لك فوري اللي أنت تريده…ويحصل منك قسط…وهذا ربا صريح والعياذ بالله..
* عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته “أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب”(الدار قطني).
جماعة الإسلام :” و في معرض ذم الغش
حذر الإسلام من النجش وهو أن تزيد ثمن السلعة ولا تريد شراءها بهدف تربيح التاجر على حساب الزبون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تناجشوا ” (البخاري ومسلم). كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش، والنجش: هو الخداع برفع سعر سلعة للتغرير بآخر، وهذه الصورة موجودة في الأسواق، ستجدون رجلاً يبيع ثياباً أو ثماراً أو خضرة، ويقول البائع: هي بجنيهين، فيقول رجل ممن حوله: أنا أشتريها بثلاثة، ويقول الرابع: بخمسة، وهكذا فيغتر من لم يعرف ذلك، ويعتقد غلاء هذه السلعة، فيشتريها بأعلى الأثمان، هذا الذي زاد في ثمن السلعة لا يريد شراءها أصلاً، وإنما فعل ذلك ليغر الجاهل الذي دخل السوق ليشتري، وهذا قد أسماه الشرع: نجشاً، أو يأتي هذا الناجش فيمدح السلعة ويطريها حتى يستقر في قلب المشتري أن هذه السلعة تستحق الثمن الفلاني، فإذا اشتراها فوجئ أنها لا تستحق شيئاً، وأنها مليئة بالعيوب الظاهرة والباطنة.
** لا تبع مسروقا أو مغتصبا فأنت بهذا مشترك في أثمها و أن لا يسم على سوم أخيه، كأن يعرض ثمنا ًعلى البائع ليفسخ البيع في فترة الاختيار، وهذا بخلاف المزايدات قبل استقرار الثمن ليتم الاختيار الحر ويتوفر الوقت له؛ قال صلى الله عليه وسلم ”لا يسم المسلم على سوم أخيه”( مسلم)·
** أن لا يبيع على بيع أخيه، كأن يعرض على المشتري في فترة الاختيار فسخ البيع مقابل بيعه ما هو أجود أو أرخص ليتم الاختيار الحر· قال صلى الله عليه وسلم: ”لا يبع بعضكم على بيع بعض” (مسلم) · يتراضيا على ثمن سلعة فيقول آخر أنا أبيعك مثلها بأنقص من هذا الثمن.
** وأن يبيَّن عيوب السلعة وثمنها ولا يحاول إخفاءها حتى تنتفي كل جهالة أو غموض أو غش في السلع وفي النقود، ويقدم المشتري على الشراء عن ثقة ويتجنب التخاصم· قال صلى الله عليه وسلم:”البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق البيعان بورك لهما في بيعهما،وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما”(مسلم)·
وقال صلى الله عليه وسلم: ”من باع عيبا لم يبيّنه، لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه”( ابن ماجة)·
** أخوة الإيمان
والغش جناية محرمة:
من جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم حينما يقومون ببيع الأطعمة التي يتضرَّر بها الناس، فيقوم المُزارِع ببيع بعض محصولاته الزراعية بعد فترة قصيرة من رشِّها بالمبيدات الزراعية، التي هي سموم تَفتِك بالحشرات وغيرها، فلا يَنتظر الوقت المحدَّد حَسْبَ ما هو مكتوب على علبة المبيد، فيبيعها قبل ذلك رغبةً في تحصيل المال، فيجني على إخوانه المسلمين، فيجعل هذا المبيد يَفتك بصحتهم ويعرضهم للأمراض، كما فتَك بالآفات التي أصابَت محصوله الزراعيَّ.
من جَناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم مواد غذائية انتهت مدَّة صلاحيَّتها.
ومن جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم أطعمة مُسمَّمة مرَّت عليها مُدَّة طويلة، أو لم تُراعَ الطرق الصحيَّة في إعدادها وحفظها.
من جَناية الغشَّاشين خلط اللبن بالماء ولا يخفي علي أحد قصة بنت بائعة اللبن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
** عجبًا للتاجر الغشَّاش يسعى في جمع المال من الوُجُوه المُباحَة والمحرَّمة، فيَشقى في جمعه ويكسب عَداوَة الآخَرين وفقدان الثقة به، فيَعِيش منقوصَ القدر مَحلَّ ريبةٍ وشكٍّ، ثم يموت ويترك هذا المال الذي شقي به حيًّا؛ ليَشقَى به ميِّتًا يُحاسِب عليه وغيره يتنَّعم به ويترف، فغنمه لغيره وغُرْمُه عليه – نعوذ بالله من عمى البصيرة.
يقول محمد بن كعب القرظي :”إذا مات ابن آدم يصاب بمصيبتين لا يصاب بهما أحد سواه المصيبة الأولي أنه يترك ماله كله والمصيبة الثانية أنه يحاسب علي ماله كله ”
وأشد عذاب يوم القيامة هو عذاب المال فقد بين القرآن الكريم جزءً من هذا العقاب وبين إنه عذابٌ يتناسب مع عملهم الأليم،:”يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ”[التوبة:35].
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ..والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين:
أما بعد فيا جماعة الإسلام .
ومن شدة حرص الإسلام علي سلامة التجارة من الآفات والمحرمات حتي لا يتحول البيع والرزق الحلال إلي ربا محرم . أوجب على التجار ومرتادي الأسواق تعلم أحكام البيع والشراء، فكثير من المخالفات إنما تقع عن الجهل بأحكام الشرع فيها، وقد كان الخلفاء يلزمون الناس بتعلم الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء كشرط لدخولهم الأسواق، كما قال عمر بن الخطاب :” لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في دينه وإلا أكل الربا شاء أم أبي ”
وقد جاء الإسلام بجملة من الآداب والمنهيات ، والتي تحفظ المصلحة العامة، وتبعد الإنسان عن الوقوع في الغرر أو الغبن أو الربا من حيث لا يشعر.لو تحدثنا عنها ما كفانا وقت وقد ذكرنا يبعضها ونذكر هنا بعض المنهيات علي الجملة ومنها :
بيع الدين، رجل معه شيك بعشرة آلاف يبيعه لآخر بسبعة آلاف على أن يتصرف المشتري في هذا الشيك كيف شاء، ولا يحق له الرجوع على البائع الأول، حتى وإن كان هذا الشيك مزوراً.
وكذلك نهي عن بيع الغرر كبيع اللبن في الضرع، لا يعلم الإنسان كمية اللبن، فكيف يبيع اللبن في الضرع؟ أو يبيع الطير في الهواء؟ أو السمك في الماء؟ أو الحمل في البطن؟ كيف يبيع شيئاً مجهولاً أو معدوماً، كل هذه من البيوع المحرمة.
أخوة الإسلام وقد نهي الإسلام عن بيع ما لا يجوز بيعه :
* وقد جاءت النصوص تبين تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية.
* ففى الحديث عن أنس “لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له”( الترمذي وابن ماجة).
ونهي أن نبيع مالا نملك:
فقد جاءت النصوص بالنهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه.
* فعن حكيم بن حزام قال “قلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك”( صحيح الجامع).
قوله: “ما ليس عندك” أي ما ليس حاضراً عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك…. وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته ….قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم .
* ونهي أن نستغل جهل المشترى لسعر السوق:فعن ابن عمر قال “نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد”.(البخاري والنسائي). وعن جابر “أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض”(الجماعة إلا البخاري). ونهي أن نغرر بالتاجر الذي دخل فى التجارة حديثا: فعن ابن مسعود قال “نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع”( متفق عليه). فيه دليل على أن التلقي محرم.
ونهي عن احتكار البضاعة:
فعن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد اللّه العدوي “أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يحتكر إلا خاطئ “. (أحمد ومسلم وأبو داود).
** أخوة الإيمان والإسلام :
و نهى الإسلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. من حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما :”نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فقيل لابن عمر: وما بدو صلاحها؟ قال: حتى تحمر وتصفر وتذهب عنها الآفة”.
أما أن تذهب أنت إلى نخلة فتقول لهذا الرجل: أنا أشتري هذا البلح، أو هذا الثمر بكذا الآن، فلا! وألف لا، حتى يبدأ البلح في الحمرة أو الصفرة، وهذه الحمرة أو الصفرة دليل على أمن العاهة والآفة أن تلحق به، أو أن يبيض السنبل ويقوى، إذا أردت أن تبيع أرزاً أو شعيراً أو قمحاً.. أو غير ذلك فلا تبعه رطيباً؛ لأنه معرض للآفة، ولكن إذا عظم حبه وكان صلباً قوياً فهذه علامة على سلامته من الآفة، فحينئذ يجوز لك أن تبيعه على هذا النحو، وإلا فلا.
** أخوة الإيمان والإسلام : و نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وعن مهر البغي، وعن حلوان الكاهن، وعن كسب الحجام.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : “ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، وكسب الحجام خبيث”(البخاري).
فهذه بيوع كلها محرمة، كما أنها مخلة بالمروءة، كما في الصحيحين: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو حراسة أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان).
(من اقتنى) أي: من ربى كلباً في بيته بغير حاجة ولا ضرورة، والحاجة هي الحراسة للزرع.. ونحوه، وإلا فيحرم اقتناء الكلاب بلدية أو غير بلدية، وبعض الناس الآن يتباهى ويتشبه بفعل الغرب ويقتني الكلاب، وربما دفع فيها المئات، بل الألوف، ويفاخر القاصي والداني ببياض كلبه، أو حمرته، أو بلون عينيه، أو بطول لسانه، ويعد له مقعداً خاصاً في سيارته، ونزهه بما لا ينزه أولاده، ثم إذا أراد إلحاق الأذى بالناس وقف عند محطة سيارات أو باصات عليها العشرات والمئات من الفقراء والمساكين ينتظرون دابة بغير نول، أو باصاً بأبخس الأثمان، ثم يخرج الكلب لسانه ربع متر، فما موقف الفقراء وما شعورهم حينئذ، هو أحق، وأجدر، وأليق، وأخلق، بأن كان له أجر عند الله أن يمحو الله تبارك وتعالى أجره، ويعطيه لهؤلاء الفقراء والمساكين. :” من اقتنى كلباً إلا كلب حراسة أو صيد أو ماشية، نقص من أجره كل يوم قيراطان، القيراط الواحد مثل جبل أحد” (مسلم والنسائي).
كم لدينا من القراريط؟ هل نحن في غنى عن فضل الله عز وجل؟
إذاً: لم نعرض أنفسنا ونحن الفقراء إلى الله عز وجل لضياع ثوابنا وحسناتنا في مثل تربيته الكلاب.
وكذلك مهر البغي، وهي المرأة الزانية، مال خبيث، سواء المال الذي تأكله، أو المال الذي تدفعه، فكله مال خبيث لا يحل الإنفاق منه بحال، حتى ولو على الأولاد والأحفاد، فإنه لا يجوز لهم، وهم في غنى عن هذا المال أن يتكسبوا منه، أو أن ينفقوا منه على أنفسهم في الطعام والشراب.. أو غير ذلك.
وكذلك حلوان الكاهن، المبلغ الذي تدفعه أنت إلى العراف والساحر والكاهن كل ذلك حرام، وهو مال خبيث، ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم:”حد الساحر ضربة بالسيف” .
وقال صلي الله عليه وسلم : “من ذهب إلى ساحر أو عراف أو كاهن فلم يصدقه، لم يقبل الله تعالى منه صلاة أربعين يوماً، وإن صدقه فقد برئت منه الذمة”(الحاكم) .
ونهى النبي صلي الله عليه وسلم عن كسب الحجام، مع أن النبي احتجم، وأعطى الحجام أجره، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله إذا احتجم ناول الحجام ديناراً، فإن أبى الحجام قال: إن أخذت وإلا فلا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجره.
أخوة الإيمان والإسلام :
فهذا غيض من فيض وليكن معلوم أن هذه الصور والأسباب التى ذكرتها هى نسبة قليلة من صور كثيرة للمخالفات التي يقع فيها التجاروقد تخيرت منها ما هو منتشر وكثير الحدوث في أسواقنا ولا يظن ظان أن هذا هو بيت القصيد وحسب ,لا بل هذه أمثلة وسوق التجارة فيه الويلات والويلات.فالربويات.وحرق البضاعة.والغش التجاري.وضرب الأسعار.والكذب.والتدليس…..وغير ذلك الكثير..
** أخي المسلم التاجر كن من الأبرار ولاتكن من الفجار…وأدخل الجنة من باب التجارة…وكن كما قال ابن عمر: “كالتاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة”.وكما قال ابن عباس بلفظ: “التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة”….اللهم لاتحجبنا عن الجنة .أمين
* وأذكر نفسي وإياكم بما جاء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس”.(الترمذي).
وفى ولفظ “تمام التقوى أن يتقي اللّه حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما”.
** هذا وما توفيقي الا بالله العلى الكبير …سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .* * وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين *